اليوم سنفتح ملف جديد ، وهو ملف القصة القصيرة ، وفي ملفنا هذا سنتحدث عن نشأة القصة في أدبنا العربي ونستعرض أهم أعلامها وشذرات من أعمالهم وحياتهم ، والكثير من القصص التي تحاكي الواقع أحيانا ، وأخرى تعنينا وتلامس جرحنا ، وثالثة قد لا تعنينا مطلقاً .
منذ قديم الأزل وُجِدَ الإنسان ، وكانت قصة وجوده هي اللغز المحيّر على مدى الأيام .
قصة ابتكرناها ، قصة سطرناها ، قصة حياتنا نكتبها ليتهاداها جيل وراء جيل .
القصة قديمة في أدبنا العربي قِدَم الكتابة ، فكانت القصة الشعبية كألف ليلة وليلة ، سيرة عنترة بن شداد ، سيرة بني هلال ، سيف بن ذي يزن ، وقصص الأنبياء والمرسلين .
وقد تأثرت قصتنا العربية بالترجمة ، وكان أول كتاب قصصي مترجم يدخل عالمنا العربي ، كتاب كليلة ودمنة ، ومنه اطلع العرب على فكر الغرب وقصصهم ، وكان لهم باع طويل في نقل وترجمة قصص الغرب ، ومع الأيام أدلى العرب بدلوهم وكانت لهم قصتهم العربية التي تحكي عن حالهم وبيئتهم ، بدءاً من المنفلوطي حتى يوسف عواد حتى يومنا هذا .
وتتنوع مواضيع القصة العربية ما بين تاريخية ، واجتماعية وعاطفية وغيرها .
وتقوم القصة في بنائها على مقدمة ووسط ونهاية ، ويتم عرض القصة من خلال السرد المباشر أو الترجمة الذاتية ، أو عن طريق الرسائل والمذكرات أو الذكريات .
ومن خلال بحثنا هذا سنتعرف على كل أنواع القصة وأشكالها وروادها ، مع تمنياتي بأن يكون بحث يستحوذ على رضاكم وإعجابكم ، ونساهم به جميعاً لنُفيد ونستفيد .
محبتي للجميع .
فؤاد الشايب رائد القصة السورية
1911 - 1970
ولد فؤاد الشايب في معلولا القريبة من محافظة دمشق ، في 21 تشرين الثاني من عام 1911 بدأ دراسته في قريته وسرعان ما انتقل إلى دمشق ليتابع تحصيله العلمي في مدرسة الجامعة العلمية ونال الشهادة الثانوية منها عام 1928 ، وانتسب بعد ذلك إلى كلية الحقوق وتخرج منها عام 1932 ، وسافر إلى باريس ومكث فيها سنتين ، ثم عاد إلى سوريا وتقلد الكثير من المناصب الهامة في وزراة الثقافة .
وفي عام 1966 سافر إلى البرازيل ( بونيس أيرس ) ، وعمل مديراً لمكتب الجامعة العربية هناك وتوفي إثر أزمة قلبية عام 1970 في البرازيل ونُقِلَ جثمانه إلى مسقط رأسه معلولا ودُفِنَ فيها ، تلك القرية التي كان يزورها في آخر كل أسبوع ويقول عنها ( يلتقي ترابها بترابي ، وهوائي بهوائها ، وأخوّض كفّي بطينة القرنفلة التي غرستها ، وأشم عبيرها مع أنسام الفجر ، أستريح على شهقة وزفرة من الأعماق تلفظ كلمتي : الحمد لله !!! ) .
ترك لنا إلى جانب محاضراته الثقافية والقومية ، مجموعة قصصية وحيدة تحت عنوان ( تاريخ جرح ) وتحتوي على إحدى عشرة قصة ، كُتِبَت بين عامي ( 1930 - 1944 ) ، صدرت عن دار المكشوف عام 1944 وأعاد اتحاد الكتاب العرب في سوريا طباعتها عام 1978 .
قال عنه أمين الريحاني قبل أن يعرفه : ( إنه كاتب يجيد الوصف ويحسن التعبير ، تقرؤه دون ملل ، كأنك تسمع وترى ، وهو مخلص لفنه وللحقيقة ) .
وقد صنفه شاكر مصطفى بين كتّاب القصة الواقعيين .
القصة عنده ومضة من الرؤى الشاعرية ، تُكتب بلغة النثر وأسلوبه ، فالخيال أبوها الأول ، والحياة أمها ، وبقدر ما كان يخصب الخيال هذه الحياة تستوفي القصة معانيها الجمالية ،
ولا يشترط أن تكون القصة حادثاً ، لأنه يخشى عليها من تطفل التقارير والريبورتاجات الصحفية ، فإن كانت القصة القصيرة تتميز بسرعة الحركة ورشاقتها ، فإنه يخشى من السرد المستطرد أن يعطل الحركة ، ويشوه الرشاقة .
هذه هي خلاصة آراء فؤاد الشايب في القصة ، ومعظم قصصه التي جمعها في تاريخ جرح لم تتعدَ هذه الرؤية التي يراها .
فقد كان فؤاد الشايب من أبرع من عالجوا كتابة القصة القصيرة في الشرق العربي ، وفي قصصه لمحات تذكرنا ببعض الكتاب الغربيين الذين تأثر بهم ، فهو يجيد وصف المشاهد ، ورسم اللوحات ، وأجود وصفه ما يدور حول الأزمات النفسية ، والتحليل العاطفي ، لكنه يفكر حين يكتب ، ويثير المشاكل الفكرية لأنه يريد أن يثقف قارئه .
*****
من كتاب شموع في الضباب لعيسى فتوح .
عذراً لم استطع الحصول على نسخة من مجموعته القصصية .
***************************