sama-reed

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
sama-reed

موقع خاص بقراءات وكتابات الشاعرة السورية ريد السباعي


    القدس .. مدينة الله

    ريد السباعي
    ريد السباعي
    Admin


    المساهمات : 69
    تاريخ التسجيل : 24/02/2009

    القدس .. مدينة الله Empty القدس .. مدينة الله

    مُساهمة  ريد السباعي الثلاثاء يوليو 06, 2010 12:40 am

    مدينة الله رواية للكاتب الفلسطيني السوري حسن حميد ، وحسن حميد كاتبٌ روائي وقصصي من الطراز الرفيع له عدد كبير من الروايات والمجموعات القصصية وبعض الدراسات الأدبية في الرواية والأدب .
    أما مدينة الله فهي أحدث روايات حسن حميد وهي رواية تجعل القاريء يلهث خلف أحداثها ، تسلب العقل بجميل الوصف وتُدمي القلب لِما فيها من الألم والوجع .
    تبدأ الرواية بإشارة إلى أن ما سيأتي فيها هو عبارة عن رسائل أرسلها السيد فلاديمير بودنسكي إلى أستاذه ومعلمه جورجي إيفان في جامعة بطرسبورغ ، ولكن اليد الخبيثة والماكرة حالت دون وصول هذه الرسائل إلى صاحبها الأستاذ ايفان ، فالسيدة بديعة عميخاي التي كانت تعمل في مركز البريد احتفظت بها لِما وجدت فيها من جمال اللغة وبديع الوصف ، وحينما شعرت بدنو أجلها أخذتها إلى صديق قديم في بيت الشرق وأودعتها أمانة عنده وبعد أن سأل الصديق ولم يجد عنواناً لأحد ممن ذُكِرَ في الرسائل قرر أن ينشرها في كتاب وهذا الكتاب كان مدينة الله .
    تقد مدينة الله في تسعٍ وأربعين رسالة وكل رسالة تتحدث عن مكانٍ وعن أشخاصٍ وعذاباتٍ وقهر .
    رمز السيد فلاديمير في رسائله للجنود الاسرائيليين بالبغال والبغّالة ولم يفته وصف كلابهم الجائعة دائماً للحم والدم العربي .
    تبدأ أولى الرسائل بوصف القدس ، وصف أشجارها وكرومها وزيتونها ، شرفاتها ، نباتاتها ، لوزها ، زبيبها ، تصف أهلها وجمال طلعتهم وتآزرهم وتآلفهم ومحبتهم للضيوف وكرمهم وأصالتهم ، ورغم ما يعانونه من آلام تجد ابتسامتهم الرائقة اللطيفة لا تغادر شفاههم ، في القدس سحرٌ ليس كمثله سحر ، فهي مدينة الله ( إنها مدينة الله ممدودة على كفّ الله ) ، مدينة الرسالات السماوية والأنبياء ، مدينة السيد المسيح عليه السلام ، وسيد العالمين محمد عليه الصلاة والسلام ، مدينة لكل الناس باختلاف انتمائهم ومذاهبهم ، مدينة تمنحهم خيراتها وعرَقها وحبها وشغفها ( إنها ليست لدين بعينه وليست لبشر بعينهم ) .
    ويتوالى حديث الرسائل عن الخليل ورام الله وأريحا ، عن المسجد الأقصى وقبة الصخرة وكنيسة القيامة وكنيسة المهد ، عن سلوان الفتاة المقدسية التي منحت شبابها وجمالها للقدس لكي يرتوي أهلها من عين سُميّت باسمها ، عن مخيمات شعفاط ومستوطنة جعفات شاؤول التي قامت على انقاض دير ياسين ، تتحدث الرسائل عن جو مكملان الايرلندي الذي فُتِنَ بالقدس فاتخذها موطناً وعَمِل فيها دليلاً سياحياً ، رغم أنه عُذِب وسُجِن ولم يسلم من يد الشر ظل مخلصاً محباً للأرض وأهلها ، تتحدث عن مغارة سيدنا التي تهافت الناس إليها وببركته عليه السلام شُفي من شُفي ، ومشى من مشى ، وعادت السكينة للنفوس المتعبة ، تتحدث عن الرامة وكرم أهلها ، عن قلندية البلدة الغافية بألم أمام حواجز البغال ، عن أبي العبد العلامة الفارقة بنحوله وطيب معشره .
    ، تتحدث الرسائل عن قدس الأقداس ، عن بُناتها ، حدودها ، اسماءها ، عن الجبال التي تحيط بها ، أسواقها المتعددة ، عن دور العبادة التي تحولت إلى مطاعم واصطبلات وأماكن للسهر يُمارس فيها المجون والعُهر ، عن الأقصى حلم كل المسلمين ببلوغ إحدى عتباته .
    وفي الرواية ذكر لبعض الطقوس التي يمارسها سكان البلاد من مسلمين ومسيحيين ويهود ، فيعرض بإحدى رسائله طقوس صلاة الاستسقاء عند المسلمين واليهود وشتان ما بين الطقسين والصلاتين .
    وهناك طقس يقوم به اليهود في عيد الفصح وهو تكسير الجرار الفخارية التي يقومون بصنعها ومن ثم كتابة عبارات الشتم واللعن عليها وأخيراً تكسيرها على رؤوس المساجين حسب اعتقادهم بهذا أنهم ينقلون اللعن للمسلمين .
    وعرضت الرسائل لطقس مسيحي وهو تلوين البيض في عيد الفصح وكيف يتشارك بتلوينه أبناء الحي من مسيحيين ومسلمين ، ففي بيوت القدس وحاراتها لا فرق بين مسلمٍ ومسيحي .
    وللقلب مكان في هذه الرسائل فيتحدث فلاديمير عن سيلفا ، تلك اليهودية التي قادها إليه الحوذي جو وفُتِنَ بجمالها وروعة جسدها ، ولكن عملها بدد هذا الجمال ونحّاه أرضاً ، إنها تعمل سجانة وتقوم على تعذيب المساجين وابتكار الأساليب الجهنمية في تعذيبهم ، فكم وكم استمتعت بمنظر الدم وطرِبَت لسماع الأنين والتوجع ، ومع كل هذا أحبها فلاديمير وقضى معها ليالٍ جميلة وحاول أن يتناسى عملها ليستطيع الاستمرار معها ( لا أحد يمرغ أنفي في التراب سواه ) وهنا يقصد القلب .
    وطي الصفحات نجد حديثاً طويلاً ومؤلماًعن الظلم واللامساواة والاضطهاد الذي يعانيه السكان من جنود الاحتلال ، عن فظاعة السجون إنه عالمٌ آخر من عوالم الموت البطيء ، كم من عيونٍ فُقِئت وكم من أضلاعٍ كُسِرت وكم من نساءٍ انتُهِكت أعراضهن ، عالمٌ سفلي فيه شتى أنواع العذاب والتعذيب ، ومع كل هذا يُحسد الشعب الفلسطيني على صموده وقوة إرادته وعزيمته وأمله العميق في استعادة الأرض لأهلها ، لكل العرب ( من أجل حبيبتي القدس تهون كل الصعاب ، فالألم يزول والجرح يتعافى كلما كثرت الندوب والجروح كثرت محبتنا للقدس ) .
    سعدية ، زهية وفضة ، عارف الياسين ، فرج ، صلاح ، أبو العبد ، أبو مثقال ، أبو جادو ، أم أسعد ، ماجد أبو غوش ، وميرنا وغيرهم كثير هم أصحاب الأرواح والنفوس الطاهرة التي أُريقت وتُراق كل يوم على تراب القدس لتُستعاد .
    ورغم غطرسة الاحتلال نجد الخوف هو الذي يحكمهم ( الخوف هنا في هذه البلاد مخلوق هوائي ، مخلوق خرافي يمشي في كل الأمكنة ) .
    فهم خائفون من كل شيء وعلى كل شيء ، لغتهم اللعنات وقانونهم الذي يحكمون به والقوة التي يبطشون بها هي القتل والتدمير والتشريد .
    وتنتهي الرواية برسائلٍ ست يرسلها فلاديمير لأستاذه من السجن ، نعم لقد سُجِن هذا الزائر الروسي الذي فُتِن بالقدس ، جاءها حباً وغادرها جثةً .
    وفي آخر رسالة يوصي معلمه بعدما عُذِبَ وكُسِرت ساقه ألّا يكتب له ( فعناوين السجن ليست بعناوين ) .
    هناك أماكن كثيرة كان بود فلاديمير أن يزورها كالبحر المت وبحيرة طبريا وعكا مدينة زوجته الفلسطينية رشيدة التي أحبت فلسطين فجعلتها تستولي على خفقات روحه .
    الرواية آسرة بما فيها من وصف رائع وشفاف وتشويق للأحداث ، مدينة الله رائعة برقي عباراتها وبديع كلماتها .
    تقع مدينة الله في أربعمئة وخمسين صفحة من القطع الكبير ، صادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت ، بطبعتها الأولى لعام 2009 .
    ********
    ملاحظة : ما وُضِع بين قوسين هو من الرواية .

      الوقت/التاريخ الآن هو الأربعاء مايو 08, 2024 4:57 am