رواية فتاة القصر للكاتب عمر الشعراني .
تبدأ أحداث الرواية من المقبرة ، وهناك خلف سور المقبرة ، عند الغروب جسدٌ مسجى في القبر وولدٌ يبكي أمه وحيداً ، يبكيها بمرارة وحزن ، يبكيها بحرقة وألم ( ووقع اختيار الحياة على أمي كي تموت ، ومن نزعها الأخير ولدت المأساة في نبض قلبي .. ولدت المأساة ) .
وينتقل بنا الكاتب في الفصل الثاني لينقل لنا زاوية أخرى ، ينقلنا إلى السجن ، هناك خلف القضبان شاب أمضى في السجن سبع سنين ، وبعدها تقرر إدارة السجن إطلاق سراحه ، ولكن بعد ماذا ؟؟ ، بعد أن ضاعت روحه وغادرته إلى غير رجعة آخذة معها العمر كله .
وينقلنا الكاتب بعد ذلك في القسم الثالث إلى تلك القرية الوادعة ، القرية البسيطة ، التي تعيش فيها لين اليتيمة ، التي مات والديها وهي ما زالت طفلة صغيرة ، أرضعتها زوجة العم مع أولادها حتى أمست أختهم وللعم ولزوجته ابنة ، عاشوا معاً بحب ورضا إلى أن جاء ذلك اليوم ، وجاء ذلك الوحش الآدمي ، ( الشيطان ) ، واغتصب لين الشابة البريئة التي لم يتجاوز عمرها الثامنة عشرة بعد ، ركضت لين بعد هذه الجريمة التي امتدت إلى براءتها واغتالتها ، ركضت لا تدري إلى أين تذهب ، إلى أن قادتها قدماها لقدرها العاثر ، ووقعت لين في قبضة السيد ، السيد هذا الرجل الذي يقتات على أجساد الفتيات ويتاجر بهن ، يقوم بتخديرهم تساعده بذلك السيدة التي ترتدي الوجه الحنون أمام الفتيات وتعاملهن كأخت .
وتمضي أحداث الرواية إلى أن يأتي ذلك اليوم الذي تصحو فيه لين من المخدر وتجد نفسها عارية أمام رجلٍ غريب لا تعرفه ، حاولت رده عنها ، استخدمت أظافرها ، غرستهم في عنقه ، ولكن هو كان أقوى منها ، ضربها في كل أنحاء جسدها حتى سال الدم من عدة أماكن منه ، جاء الخدم وأعادوا تخديرها من جديد ، فأسلمت نفسها للنوم مرة أخرى ، وبعد أن انتهى المحترم من فعلته ، توجه نحو السيد وتشاور الثلاثة ( السيد ، السيدة ، والمحترم ) في أمر لين ، فقرروا التخلص منها وذلك برميها في السهل المقابل للمقبرة .
ومن حظ لين أن أمينة المرأة الفقيرة كانت تأتي كل يوم إلى المقبرة لتأخذ منها بعض الورود وتبيعها في زاوية السوق لتعيل خمسة أطفال مات والدهم ، وفي ذلك اليوم تحديداً وأمينة تتجه نحو المقبرة لتأخذ الورود تسمع صوت أنين فتلتفت إليه وإذ بشابة بعمر الزهور مضرجة بدمائها ، فسحبتها أمينة وأسندت رأسها للشجرة وركضت مسرعة نحو المقبرة لتنادي السجين الذي كان يعمل حفاراً للقبور بعد خروجه من السجن ، تمَّ نقل لين إلى المشفى ، وهناك تحكي لين قصتها للجميع بعد استيقاظها من غيبوبتها ، تحكي أمام عمها وأولاده والشرطة والطبيب والسجين وأمينة ووائل قصتها وكيف هربت من القرية بعدما تمّ اغتصابها وكيف التقت بالسيد ، وبعد أخذ إفادتها تمَّ القبض على المغتصب وسيق إلى السجن ، والبحث ما زال جارياً على السيد والسيدة والمحترم .
بعدما تمَّ شفاء لين قررت أن تذهب إلى أحد الجوامع البعيدة لتعيش فيه وترمم بعضاً من صدوع روحها المبعثرة .
وتنتهي الرواية بأن يمنح كلٍ من وائل والسجين بعض النقود لأمينة لكي تفتح محلاً لبيع الزهور .
أما لين فمستقبلها يبقى مجهولاً للقاريء ولكن نقرأ في آخر الرواية ما قاله وائل لكلٍ من أمينة والسجين : ( أنتم تدرون الظروف الصعبة التي مرت فيها لين ، لقد لامست قصتها شيئاً في داخلي وأريد أن أبذل كل جهدي لإخراجها من وحدتها ) .
الرواية فيها نفس وجداني حقيقي ، وقد وُفِق الكاتب بنقل فكرته للقارئ وجعله يتأثر بما حلَّ بلين وما حلَّ بالسجين .
الرواية مكتوبة بأسلوب أدبي راقي ، لا فحش فيها ، ولا مكان للألفاظ النابية ، فيها الكثير من الصور الجميلة وخاصةً عندما يتحدث الكاتب عن الليل أو النهار ، ومما قاله عن الليل : ( أيها الليل الكبير النائم فوق التل ، أيها الضائع في أحلامك الخاصة ، بينما النسمات تنثر لونك الأسود ، تنثر النجوم في البعيد ، أيها المنسوج من ملايين الأحلام الساطعة والملايين من الحكايات البائسة ، ألا ما أشبه رسمك بحياة البشر ، ألا ما أجمل وجهك المزروع في قبة السماء في ليلةٍ مقمرة ، وما أكثر الخوف الذي يزرعه لونك الأسود المعلق زجاج نافذةٍ واطئة ) .
وفي بداية الرواية أفرد الكاتب لكل بطل من أبطالها حيزاً وقسماً مذكراً إيانا برواية جون شتاينبك ( شارع السردين المعلب ) وبعد ذلك يتشابك أبطال الرواية وتمتد جسور التواصل فيما بينهم ، وجسور من العواطف النقية والمشاعر الصافية ، خاصةً مشاعر كلٍ من السجين وأمينة ووائل نحو لين ، وتعاطفهم معها بموقف إنساني فريد .
الرواية تأسر القارئ من أول سطرٍ إلى آخر كلمة فيها ، ولا يمكن للقارئ أن يترك الكتاب قبل أن ينهيه .
الرواية من إصدار دار سمرقند .
السويداء - سوريا .
بطبعةٍ أولى لعام 2008 .